الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.من أقوال المفسرين: .قال الفخر: الحكم الرابع: أنه جرت العادة أن المبطلين يخوفون المحقين بالتخويفات الكثيرة، فحسم الله مادة هذه الشبهة بقوله تعالى: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} وذكره بلفظ الاستفهام والمراد تقرير ذلك في النفوس والأمر كذلك، لأنه ثبت أنه عالم بجميع المعلومات قادر على كل الممكنات غني عن كل الحاجات فهو تعالى عالم حاجات العباد وقادر على دفعها وإبدالها بالخيرات والراحات، وهو ليس بخيلًا ولا محتاجًا حتى يمنعه بخله وحاجته عن إعطاء ذلك المراد، وإذا ثبت هذا كان الظاهر أنه سبحانه يدفع الآفات ويزيل البليات ويوصل إليه كل المرادات، فلهذا قال: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} ولما ذكر الله المقدمة رتب عليها النتيجة المطلوبة فقال: {وَيُخَوّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ} يعني لما ثبت أن الله كاف عبده كان التخويف بغير الله عبثًا وباطلًا، قرأ أكثر القراء عبده بلفظ الواحد وهو اختيار أبي عبيدة لأنه قال له: {وَيُخَوّفُونَكَ} روي أن قريشًا قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقرأ جماعة: {عِبَادِهِ} بلفظ الجميع قيل المراد بالعباد الأنبياء فإن نوحًا كفاه الغرق، وإبراهيم النار، ويونس بالإنجاء مما وقع له، فهو تعالى كافيك يا محمد كما كفى هؤلاء الرسل قبلك، وقيل أمم الأنبياء قصدوهم بالسوء لقوله تعالى: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ} [غافر: 5] وكفاهم الله شر من عاداهم.واعلم أنه تعالى لما أطنب في شرح الوعيد والوعد والترهيب والترغيب ختم الكلام بخاتمة هي الفصل الحق فقال: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّضِلّ} يعني هذا الفضل لا ينفع والبينات إلا إذا خص الله العبد بالهداية والتوفيق وقوله: {أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِى انتقام} تهديد للكفار.واعلم أن أصحابنا يتمسكون في مسألة خلق الأعمال وإرادة الكائنات بقوله: {وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّضِلّ} والمباحث فيه من الجانبين معلومة والمعتزلة يتمسكون على صحة مذهبهم في هاتين المسألتين بقوله: {أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِى انتقام} ولو كان الخالق للكفر فيهم هو الله لكان الانتقام والتهديد غير لائق به.{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} اعلم أنه تعالى لما أطنب في وعيد المشركين وفي وعد الموحدين، عاد إلى إقامة الدليل على تزييف طريقة عبدة الأصنام، وبنى هذا التزييف على أصلين:الأصل الأول: هو أن هؤلاء المشركين مقرون بوجود الإله القادر العالم الحكيم الرحيم وهو المراد بقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} واعلم أن من الناس من قال إن العلم بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم متفق عليه بين جمهور الخلائق لا نزاع بينهم فيه، وفطرة العقل شاهدة بصحة هذا العلم فإن من تأمل في عجائب أحوال السموات والأرض وفي عجائب أحوال النبات والحيوان خاصة وفي عجائب بدن الإنسان وما فيه من أنواع الحكم الغريبة والمصالح العجيبة، علم أنه لابد من الاعتراف بالإله القادر الحكيم الرحيم.والأصل الثاني: أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر وهو المراد من قوله: {قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِىَ الله بِضُرّ هَلْ هُنَّ كاشفات ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هنَّ ممسكات رَحْمَتِه} فثبت أنه لابد من الإقرار بوجود الإله القادر الحكيم الرحيم، وثبت أن هذه الأصنام لا قدرة لها على الخير والشر، وإذا كان الأمر كذلك كانت عبادة الله كافية، وكان الاعتماد عليه كافيًا وهو المراد من قوله: {قُلْ حَسْبِىَ الله عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون} فإذا ثبت هذا الأصل لم يلتفت العاقل إلى تخويف المشركين فكان المقصود من هذه الآية هو التنبيه على الجواب عما ذكره الله تعالى قبل هذه الآية وهو قوله تعالى: {وَيُخَوّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ} وقرئ: {كاشفات ضُرّهِ} و{ممسكات رَحْمَتِهِ} بالتنوين على الأصل وبالإضافة للتخفيف، فإن قيل كيف قوله: {كاشفات} و{ممسكات} على التأنيث بعد قوله: {وَيُخَوّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ}؟ قلنا المقصود التنبيه على كمال ضعفها فإن الأنوثة مظنة الضعف ولأنهم كانوا يصفونها بالتأنيث ويقولون اللات والعزى ومناة، ولما أورد الله عليهم هذه الحجة التي لا دفع لها قال بعده على وجه التهديد: {قُلْ يا قوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ} أي أنتم تعتقدون في أنفسكم أنكم في نهاية القوة والشدة فاجتهدوا في أنواع مكركم وكيدكم، فإني عامل أيضًا في تقرير ديني {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أن العذاب والخزي يصيبني أو يصيبكم والمقصود منه التخويف.{إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)} في الآية مسائل:المسألة الأولى:اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعظم عليه إصرارهم على الكفر كما قال: {فَلَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ على ءاثارهم إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ} [الكهف: 6] وقال: {لَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] وقال تعالى: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات} [فاطر: 8] فلما أطنب الله تعالى في هذه الآية في فساد مذاهب المشركين تارة بالدلائل والبينات وتارة بضرب الأمثال وتارة بذكر الوعد والوعيد أردفه بكلام يزيل ذلك الخوف العظيم عن قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {إنا أنزلنا عليك الكتاب} الكامل الشريف لنفع الناس ولاهتدائهم به وجعلنا إنزاله مقرونًا بالحق وهو المعجز الذي يدل على أنه من عند الله فمن اهتدى فنفعه يعود إليه، ومن ضل فضير ضلاله يعود إليه {وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} والمعنى أنك لست مأمورًا بأن تحملهم على الإيمان على سبيل القهر بل القبول وعدمه مفوض إليهم، وذلك لتسلية الرسول في إصرارهم على الكفر. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} حذفت الياء من كاف لسكونها وسكون التنوين بعدها؛ وكان الأصل ألا تحذف في الوقف لزوال التنوين، إلا أنها حذفت ليعلم أنها كذلك في الوصل.ومن العرب من يثبتها في الوقف على الأصل فيقول: كافي.وقراءة العامة {عَبْدَهُ} بالتوحيد يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم يكفيه الله وعيد المشركين وكيدهم.وقرأ حمزة والكسائي {عِبَادَهُ} وهم الأنبياء أو الأنبياء والمؤمنون بهم.واختار أبو عبيد قراءة الجماعة لقوله عقيبه: {وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ}.ويحتمل أن يكون العبد لفظ الجنس؛ كقوله عز من قائل: {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} [العصر: 2] وعلى هذا تكون القراءة الأولى راجعة إلى الثانية.والكفاية شر الأصنام، فإنهم كانوا يخوّفون المؤمنين بالأصنام، حتى قال إبراهيم عليه السلام.{وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بالله} [الأنعام: 81].وقال الجرجاني: إن الله كافٍ عبده المؤمن وعبده الكافر، هذا بالثواب وهذا بالعقاب.قوله تعالى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ} وذلك أنهم خوفوا النبيّ صلى الله عليه وسلم مَضَرَّة الأوثان، فقالوا: أتسب آلهتنا؟ لئن لم تكف عن ذكرها لتخبلنك أو تصيبنك بسوء.وقال قتادة: مشى خالد بن الوليد إلى العُزَّى ليكسرها بالفأس، فقال له سادِنها: أُحَذِّرُكَها يا خالد فإن لها شدّة لا يقوم لها شيء، فعمد خالد إلى العُزَّى فهشم أنفها حتى كسرها بالفأس.وتخويفهم لخالد تخويف للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الذي وجه خالدًا.ويدخل في الآية تخويفهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بكثرة جمعهم وقوتهم؛ كما قال: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} [القمر: 44].{وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} تقدم.{وَمَن يَهْدِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِي انتقام} أي ممن عاداه أو عادى رسله.قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} أي ولئن سألتهم يا محمد {مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} بين أنهم مع عبادتهم الأوثان مُقِرُّون بأن الخالق هو الله، وإذا كان الله هو الخالق فكيف يخوفونك بآلتهم التي هي مخلوقة لله تعالى، وأنت رسول الله الذي خلقها وخلق السموات والأرض.{قُلْ أَفَرَأَيْتُم} أي قل لهم يا محمد بعد اعترافهم بهذا {أَفَرَأَيْتُمْ} {إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ} بشدة وبلاء {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} يعني هذه الأصنام {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} نعمة ورخاء {هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} قال مقاتل: فسألهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فسكتوا.وقال غيره: قالوا لا تدفع شيئًا قدّره الله ولكنها تشفع.فنزلت: {قُلْ حَسْبِيَ الله} وترك الجواب لدلالة الكلام عليه؛ يعني فسيقولون لا أي لا تكشف ولا تمسك ف {قُلْ} أنت {حَسْبِيَ اللَّهُ} أي عليه توكلت أي اعتمدت و{عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ المتوكلون} يعتمد المعتمدون.وقد تقدّم الكلام في التوكل.وقرأ نافع وابن كثير والكوفيون ما عدا عاصمًا {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} بغير تنوين.وقرأ أبو عمرو وشيبة وهي المعروفة من قراءة الحسن وعاصم {هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتٌ ضُرَّهُ}.{مُمْسِكَاتٌ رَحْمَتَهُ} بالتنوين على الأصل وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم؛ لأنه اسم فاعل في معنى الاستقبال، وإذا كان كذلك كان التنوين أجود.قال الشاعر:ولو كان ماضيًا لم يجز فيه التنوين، وحذف التنوين على التحقيق، فإذا حذفت التنوين لم يبق بين الاسمين حاجز فخفضت الثاني بالإضافة.وحذف التنوين كثير في كلام العرب موجود حسن؛ قال الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الكعبة} [المائدة: 95] وقال: {إِنَّا مُرْسِلُو الناقة} [القمر: 27] قال سيبويه: ومثل ذلك {غَيْرَ مُحِلِّي الصيد} [المائدة: 1] وأنشد سيبويه: وقال النابغة: معناه واردٍ الثَّمَد فحذف التنوين؛ مثل {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}.قوله تعالى: {قُلْ ياقوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ} أي على مكانتي أي على جهتي التي تمكنت عندي {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}.وقرأ أبو بكر {مَكَانَاتِكُمْ} وقد مضى في الأنعام.{مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} أي يهينه ويذله أي في الدنيا وذلك بالجوع والسيف.{وَيَحِلُّ عَلَيْهِ} أي في الآخرة {عَذَابٌ مُّقِيمٌ}.قوله تعالى: {إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب لِلنَّاسِ بالحق فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} تقدم الكلام في هذه الآية مستوفى في غير موضع. اهـ. .قال الألوسي: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} إنكار ونفي لعدم كفايته تعالى على أبلغ وجه كأن الكفاية من التحقق والظهور بحيث لا يقدر أحد على أن يتفوه بعدمها أو يتلعثم في الجواب بوجودها، والمراد بعبده إما رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روي عن السدى وأيد بقوله تعالى: {وَيُخَوّفُونَكَ بالذين مِن دُونِهِ} أي الأوثان التي اتخذوها آلهة؛ فإن الخطاب سواء كانت الجملة استئنافًا أو حالًا له صلى الله عليه وسلم: وقد روي أن قريشًا قالت له عليه الصلاة والسلام: إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا وتصيبك معرتها لعيبك إياها فنزلت، وفي رواية قالوا: لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منها خبل فنزلت، أو الجنس المنتظم له عليه الصلاة والسلام انتظامًا أوليًّا، وأيد بقراءة أبي جعفر ومجاهد وابن وثاب وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي {عِبَادِهِ} بالجمع وفسر بالأنبياء عليهم السلام والمؤمنين، وعلى الأول يراد أيضًا الأتباع كما سمعت في قوله تعالى: {والذى جَاء بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33] {وَيُخَوّفُونَكَ} شامل لهم أيضًا على ما سلف والتئام الكلام بقوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ} [الزمر: 32] إلى هذا المقام لدلالته على أنه تعالى يكفي نبيه صلى الله عليه وسلم منهم دينه ودنياه ويكفي أتباعه المؤمنين أيضًا المهمين وفيه أنه سبحانه يكفيهم شر الكافرين من وجهين من طريق المقابلة ومن أنه داخل في كفاية مهمى الرسول عليه الصلاة والسلام وأتباعه، وهذا ما تقتضيه البلاغة القرآنية ويلائم ما بني عليه السورة الكريمة من ذكر الفريقين وأحوالهما توكيدًا لما أمر به أولًا من العبادة والإخلاص.وقرئ {مِنْ عِبَادِهِ} بالإضافة و{مِنْ عِبَادِهِ} مضارع كافي ونصب {عِبَادِهِ} فاحتمل أن يكون مفاعلة من الكفاية كقولك: يجاري في يجري وهو أبلغ من كفى لبنائه على لفظ المبالغة وهو الظاهر لكثرة تردد هذا المعنى في القرآن نحو {فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله} [البقرة: 137] ويحتمل أن يكون مهموزًا من المكافأة وهي المجازاة، ووجه الارتباط أنه تعالى لما ذكر حال من كذب على الله وكذب بالصدق وجزاء، وحال مقابله أعني الذي جاء بالصدق وصدق به وجزاءه وعرض بقوله سبحانه: {ذَلِكَ جَزَاء المحسنين} [الزمر: 34] بأن ما سلف جزاء الكافرين المسيئين لما هو معروف من فائدة البناء على اسم الإشارة ثم عقبه تعالى بقوله عز وجل: {لِيُكَفّرَ} [الزمر: 35] الخ على معنى ليكفر عنهم ويجزيهم خصهم بما خص فنبه على المقابل أيضًا من ضرورة الاختصاص والتعليل، وفيه أيضًا ما يدل على حكم المقابل على اعتبار المتعلق غير ما ذكر كما يظهر بأدنى التفات أردف بقوله تعالى: {أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ} وحيث إن مطمح النظر من العباد السيد الحبيب صلى الله عليه وسلم كان المعنى الله تعالى يجازي عبده ونبيه عليه الصلاة والسلام هذا الجزاء المذكور وفيه أنه الذي يجزيه البتة ويلائمه قوله تعالى: {وَيُخَوّفُونَكَ} فإنه لما كان في مقابلة ذم آلهتهم كما سمعت في سبب النزول كان تحذيرًا من جزاء الآلهة فلا مغمز بعدم الملاءمة.نعم لا ننكر أن معنى الكفاية أبلغ كما هو مقتضى القراءة المشهورة فاعلم ذاك والله تعالى يتولى هداك.{وَمَن يُضْلِلِ الله} حتى غفل عن كفايته تعالى عبده وخوف بما لا ينفع ولا يضر أصلًا {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يهديه إلى خير ما.
|